حب القصة مركوز في طبيعتنا , تجد ذلك في إلحاح الطفل لأمة أن تٌسمعه ساعة ما قبل النوم قصة شيقة لعل شبح النوم أن يسعى إليه، القصة ترافقنا في تفاصيل القران عندما نقبل علية خاشعين ،حتى في حديثنا اليومي نعيش زخم القصة يغلب علينا في مجالسنا ، فالآذان تنجذب إلى ذلك السارد وهو يبرع في حبك ما لديه , يتوقف عند منعطافاتها المثيرة ويترك ما عداها من تفاصيل وعوالم ميتة وفاترة لا تثير المتلقي . حتى في مضمار الوعظ قديما التصق بهم مسمى القصاصين يضيفون على أصل القصة ما يجعلها حيوية مع مرور الزمن.
يذكر الناقد ( يوسف الشاروني ) أن التراث العربي عرف القصة والحكاية والمقامة والقصة الفلسفية ومن الأمثلة ( البخلاء) للجاحظ والمكافأة لأحمد بن يوسف وقصة حي بن يقظان، أذن هذا الفن ليس نوعا غائبا عنا طارئا على ثقافتنا لكنة وفد من الغرب بتقنية مختلفة نوعاً ما وهذا بحد ذاته ليس عذرا في عدم اقتحامه. و الرواية ليست صورة فوتوغرافية كما قال (يحي حقي) بل على الراوي أن يٌصبغ على أحداثها شيئاً من خياله وإبداعه, فضلاً عن اللغة الراقية التي تتوخى الإسفاف ولا تصل في المقابل إلى حد الغموض و التعمية .
ومن الدواعي التي جعلت من بعض الفضلاء يتحفظ على الرواية أن سوقها لا ينهض إلا ببضاعة مليئة بعناصر الجنس والخمر والشك والضياع وأنها مهيع خصب لعناوين التمرد فأبطال الرواية منذ حين وإلى اللحظة لا يخرجون إلا من هذه الأوكار ولا يرددون إلا تلك الألفاظ، وهذا حق ولا أدل على ذلك أن (الأب اليسوعي لوريول) كتب سنة 1890 رداً على الروايات التي صدرت حينها أن (من ثمار الروايات أنها تزرع في العقل مبادئ قلة الدين والكفر). وأما في الجانب العربي فتجد على سبيل المثال أن روايات السوري( حنا مينة)وعدد رواياته خمسة وعشرين رواية لا تجد من بين شخصياتها المتعددة سوى ثلاث شخصيات لرجال دين وقد جاءت منفرة ومحاربة للتقدم والعلم.
وأما عراب الرواية العربية ( نجيب محفوظ) فعندما سئل عن امتلاء رواياته بالشذوذ الجنسي أجاب ( أن الشذوذ الجنسي علامة من علامات الفساد السياسي). لذلك نهمس لهؤلاء في ود أن هذا الانحراف بالرواية لا يمنع من أن يقابله الروائيون الملتزمون بمحاولة جادة لإقامته ووضع دعائم للرواية المحافظة النقية فلو قال قائل دعوا الشعر لأن رموز الحداثة عكروا ماءه وأحالوه إلى شعر تمرد وشك وخنا لما أجابه أحد إلى ذلك.
ويراهن الكثيرون على أن الرواية - في هذا العصر - أزاحت الشعر عن عرشه وحلت مكانة , وهذه الإزاحة جاءت عالمية وليست عربية فحسب ولا أدل على ذلك من أن الفائزين في جائزة نوبل للأدب كان أغلبهم من الروائيين .
ولذلك أهمس في أذن من يجد في نفسه القدرة على الركض في هذا المضمار عدم التردد والتلكؤ وأن يغالب اليأس بادئ الأمر ولا يخشى الفشل فهذا (نجيب محفوظ) كتب أكثر من رواية فاشلة قبل أن تطبع له روايته الأولى.
وأن يبادر إلى الإطلاع على تقنيات السرد الحديثة، والبعض يخشى من سقف الحرية المسموح به فيلوذ بالفرار إلى عمق التاريخ ليقدم لنا رواية مملة باردة بدل أن يناقش قضايا مجتمعه،ومن أنواع المعاناة التي يجدها أصحاب المنهج المحافظ ضعف دور النشر وضعف الدعاية لهذه الروايات وضعف إخراجها عكس دور النشر التي قامت بدورها بنشر الروايات الهابطة .
موضوع: الــــــــــــــــــــــــــواية***لماذا؟ 
الإثنين مايو 18, 2009 1:17 am